Monday, September 17, 2012

حوار المذاهب .. و(البيان الشيعي الجديد)

كثير من الملاحظات والانتقادات على مؤتمر التضامن الاسلامي التي عقدت في مكة المكرمة ليلة سبعة وعشرين من رمضان ولدت قبل ميلاده. فاليائسون والمحبطون من كل المؤتمرات العربية والاسلامية اعلنوا فشله حتى قبل أن يعقد. ولعلنا نلتمس لهم العذر فيما مضى من مؤتمرات، وآخرها مؤتمر مماثل قبل اربع سنوات، لم نرى ثماره حتى اليوم. 
ولكنني أختلف مع الذين شككوا في نتائج المؤتمر وتوصياته، بل وحتى في مبدأ انعقاده. والخص اسبابي في مايلي:
١. أن مجرد اجتماع هذا الحشد من قادة الامة الاسلامية بجوار الكعبة ليلة السابع والعشرين له عند الله وفي أنفسهم ونفوس من يليهم من الأمة أثر وخير ومنفعة. فلعل الله يؤلف بين قلوبهم ويجمعهم نيتهم على صلاح الامة ورفعة شأن الدين. 
٢. وضع البيان الختامي يده على أهم جروح الأمة النازفة، ووحد الصف حولها، فشرعية الحكومة السورية سقطت في ٥٦ دولة، وبالتالي لم تعد لها الحصانة التي تقيها التدخل والدعم للمعارضة. وهذه خطوة سياسية وقانونية هامة. ثم أن الأمة الاسلامية التي اجتمع قادتها حول الكعبة المشرفة تكون بذلك انحازت الى صف الشعب السوري ومن يدافع عنه ويدعمه. 
كما سلطت الحكومات الاسلامية الأضواء على مايجري في بورما بعد أن كان جزاري الحكومة والبوذية يستمتعون بجهل أو تجاهل العالم لجرائمهم. فالظلام حليف الاجرام. والمؤتمر فتح عيون الأمة والعالم على مايجري، وبدأ خطوات عملية لدعم المسلمين هناك، والدفاع عن حقوقهم. 
ووضع البيان يده على أهم جروح الأمة النازفة، وبين الاسباب: الطائفية والمذهبية والعنصرية. فهذه الأمة التي جمعتها الشهادة وأركان الإسلام الخمسة، فرقتها التفاصيل. فالإسلام السياسي والخلافات الفقهية التي نبتت عن صراعات عمرها ١٤٠٠ عام سممت جسد الأمة ومزقت وحدتها، فأنحل حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به، وتفرق جمعنا وسهلنا بذلك المهمة على اعدائنا. 
لقد وجهت في مقال سابق نداء للقمة بتبني تجريم دعاة الفتنه، وسن قانون يعاقب من يسعى بالفرقة والصراع والكراهية بين المسلمين. فكلنا أهل قبلة، وكلنا مواطنون في بلداننا، لنا نفس الحقوق وعلينا ذات الواجبات. بل وكثير منا أهل، وبيننا رحم وجيره، صداقة وزمالة، فجاء أهل الفتنة والنميمة والكراهية ليذكرونا بنعرات جاهلية، ويحرثوا الأرض التي نعيش عليها ليوقظوا مامات من اسباب الاختلاف، ويشعلوا ما أنطفأ من نيران الصراع. 
ولم يكتف القادة بالاتفاق على هذه البديهية الهامة، بل زادوا فتبنوا مبادرة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لإنشاء مركز للحوار بين المذاهب، يفض الخلافات، ويقرب المسافات، ويقر ماسبق الاتفاق عليه في مكة المكرمة قبل سنوات من أن المذاهب الاسلامية ثمانية، تشمل الشيعية. 
ولعل بعض الذين انتقدوا وهاجموا نتائج المؤتمر إما فاتتهم أهمية هذا الأمر، أو ساءهم ما أدركوه. ومن ساءه إما جهل مايؤديه اليه هذا الجدل الخطير في قضايا ينبغي الا تشغلنا، فأمور العقيدة بين المرء وربه، ف(لست عليهم بمسيطر)، والله وحده (يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون)، وإنما (الدين المعاملة). ومسائل الفقه تقوم اساسا على الاختلاف، و(اختلاف الأئمة رحمة للأمة)، وعلى هذه الشئون أن تبقى محصورة في مجالس العلم ومدارس الفقه ولا تشحن النفوس وتقاد بها العامة في صراعات فرقتنا وكسرت شوكتنا. 
ثم أن كثيرا من الخلف مصدره الجهل، بقصد أو بدون. فكثيرا مما نأخذه على اخوتنا الشيعة مصدره مشبوه، أو لا يمثل الا غلاتهم. وكذلك مايجدونه علينا. فلو لم يقم مركز حوار المذاهب في الرياض إلا بنشر ما يوضح الحقائق ويفنذ الاوهام والاكاذيب، لضيقنا على أهل الغلو والفتنة مساحات الظلام والرمادية بنور العلم والمعرفة، حتى لا يبقى من ظلامها الا مابقي في قلوبهم وعقولهم، فسهل امرهم علينا. 
لقد بلغنا أنهر الدم، يا أحبة رسول الله، وأولغنا بعضنا فيها. فهاك العراق مثالا، وهاك باكستان وايران، ومايجري بين الشيعة والسنة فيهما من اقتتال. والشرار الذي كان حولنا صار بيننا. وإن لم نطفأه بفيض التسامح والتفاهم أهلكنا كما أهلك من كان قبلنا، وكثير ممن حولنا. 
لقد سرني، فيما سرني وهو كثير، تلك الحفاوة التي خص بها خادم الحرمين الرئيس الايراني أحمدي نجادي، والتجاوب السريع الذي لمسته في وكالة الأنباء الايرانية وقناة العالم وغيرها من وسائل الاعلام الايرانية الرسمية. نعم، قد لا يغير هذا الموقف الأخوي الجميل من إمام المسلمين لأخ له كثر خطأه وظلمه لنفسه، ولكنه سيساعد حتما أي خطوات قادمة .. ومنها حوار المذاهب، ولعلها تعين في فتح القنوات والتعاون بشأن مستقبل سوريا، وقضايا الأمة الأخرى. فإيران دولة كبرى، ومكانتها عند مئة وخمسين مليون شيعي في العالم الاسلامي ليس لها منازع. وأقل ما يقال في موقف أبن عبدالعزيز أنه سار على ماسار عليه أبوه في التعامل مع الخصومات بين الأخوة، وما أمر به نبي الرحمه عندما قال (لا تعينوا الشيطان على اخيكم) بمعاداته ومحاداته. 
الأمة نتنظر هذه المرة الفعل بعد القول. تنتظر موقفا موحدا تجاه اسرائيل، خاصة بعد أن سقط حلفائها في مصر وسوريا وليبيا وتونس، وموقفا داعما للشعب السوري في محنته، سرا وعلانية، وضغطا متواصلا على الحكومة البورمية لتعطي للمسلمين حقوقهم، وتأمن عودتهم الى مدنهم وقراهم وبيوتهم، وأن نبدأ خطوات اقامة مركز حوار المذاهب فورا، وبلا تعطيل، حتى لا يأتي موسم الحج، إلا وقد أجتمع علماء المسلمين تحت خيمة واحدة. 
وأن يلحق بذلك اخراس اصوات أهل الفتنة، وتجريم أي دعوة اليها، أو تحريض عليها، وتشجيع أهل التسامح والوحدة والحوار، ومنهم صاحب “البيان الشيعي الجديد”، أحمد الكاتب، بارك الله فيه وأكثر من أمثاله، وجمع عليه قلوب وعقول طائفته، وأبرز من بيننا من يناظره ويضع يده في يده … وانا اول من يمد يده. 
وهذا موقعه على النت: http://www.alkatib.co.uk/newshiamanifisto.htm


No comments:

Post a Comment